فهم روح المكان والمحافظة عليها

من الواضح أن دراسات نوربرج-شولتز قامت على أفكار هايديجر للعمارة: أن المكان والمباني والأشخاص من أهم ملامح الوجود البشري في المكان (جوكيليتو 1999؛ ديفرين 2001).
طبقا للمبادئ الأساسية والطرقة المنهجية المستخدمة لبحث " جوهر الكائن" و/أو "جوهر الوجود"؛ يمكن تعريف روح المكان بأنها: " جوهر المكان، تكوين الترتيب الجيني للمكان وعلاقاته التي تشكل السياق الحضري، أصل وجود المكان، والرابطة المنطقية بين المكان وساكنيه."
وبالتالي، يتشكل المكان عبر الزمن بشخصيته الفريدة المتميزة، ويكون أساسا للمبنى ومستخدميه. غير أن المبنى تخرج من "روح" المكان، وتضيف إلى معنى المكان وتعمل في تناغم لخلق موقع ثقافي. في هذا السياق يعد البشر مسئولين عن إعطاء " الروح" للمكان بلمساتهم وخبراتهم المنطقية بين المباني والمكان. كما يقول ألكسندر: " هناك صفة أساسية هي المعيار الأساسي للحياة والروح في شخص، مدينة، مبنى، أو في البرية... من اجل تحديد هذه الخاصية في المباني والمدن يجب أن نبدأ بفهم أن كل مكان يستمد شخصيته بأنماط معينة من الأحداث التي تستمر في الوقوع هناك.... تتشابك هذه الأنماط دوما مع أنماط هندسية معينة في الفراغ. إن كل مبنى وكل مدينة – كما سنرى – يتشكل في النهاية من هذه الأنماط في الفراغ وليس من أي شيء آخر: إنها نواة ومكونات صنع كل مبنى أو مدينة" (ألكسندر 1979).
بإتباع تلك التعريفات المفصلة، يمكن رؤية وجود عدة جوانب ارتباطية تشكل روح المكان في السياق التاريخي الحضري، وأن فهم وحل تلك العلاقات من أكبر مسئوليات الباحثين. بالتأكيد، إن فهم وتقييم مكونات السياق الحضري عبر فهم الظواهر لهو أمر معقد جدا ويحتاج إلى بحث خاص لكل حالة. تحوي الحالات المختلفة أفكار مختلفة مادية، اجتماعية، اقتصادية وروحية يمكنها صنع العديد من القيم الخفية التي لا يمكن تعريفها عبر التحليل المادي، الاجتماعي، والتشكيلي. هكذا، فإن فهم وتقدير جوهر السياق الحضري وقيمه الخفية – بما في ذلك روحه- يتطلب تقييما موضوعيا وقرارات لإدارته والحفاظ عليه. ركز كروفت (1996) على العلاقة بين " الرائي والمرئي" لكونها هامة، وعلى وجوب تحلي الباحثين بالموضوعية واستخدامهم لأدوات موضوعية وشاملة إذا كانوا سيقومون بالمحافظة على التميز المحلي للسياق الحضري التاريخي.
ظهر الحفاظ بمعناه المعاصر كرد فعل للآثار المدمرة للتحول الصناعي في نهاية القرن الثامن عشر. وبعد تنمية صحوة الحفاظ – خاصة بعد الحرب العالمية الثانية – اتسع محتوى الحفاظ من الآثار ليشمل كل ما استوطنه البشر.
ويقول إردر " بعد الحرب العالمية الثانية لم نعد نعرف الآثار بما يجاورها مباشرة وإنما كجزء من مجموعة من المباني، مستوطنة أو منطقة، مما يوسع المفهوم المادي للتراث المعماري. يمكن للسلطات أن تركز مجهوداتها على الحفاظ وتتخذ إجراءات قانونية، وبذلك تضمن المشاركة الجادة والفعالة للمنظمات الرسمية" (إردر 1986: 15).
من خلال مواثيق وإعلانات المنظمات الدولية، يمكن أن نرى أن التركيز  - في الحفاظ على الملكية الثقافية - كان على مفهوم الأصالة، الهوية وروح المكان. مثلا، في وثيقة نارا (1994) تم الإعلان أن " العالم أصبح عرضة للمزيد من قوى العولمة والتجانس: وبالتالي فإن تعريف " الأصالة" يصبح من أهم موضوعات الحفاظ على "التراث الثقافي". تحدد الوثيقة القيم الاجتماعية والثقافية باعتبارها من أهم ملامح فهم الخصائص الفريدة الملموسة وغير الملموسة لكل ثقافة. بجانب ذلك لدينا ميثاق ICOMOS Burra الاسترالي (1999) الذي يقدم مبادئ الحفاظ وإدارة الأهمية الثقافية لأماكن التراث الثقافي، والتي تتكون من القيم الجمالية، التاريخية، العلمية، الاجتماعية والروحية لأجيال الماضي، الحاضر أو المستقبل. وتلاه إعلان زي-يان (2005) الذي قدم القيم الملموسة (تفاعل المكان مع البيئة الطبيعية) وغير الملموسة (الممارسات الاجتماعية أو الروحية، العادات، المعارف التقليدية، الاستخدام أو الأنشطة) التي تصنع الشخصية المميزة لمكان ما ذي بنية تراثية. أيضا، أوضح الإعلان أن الهياكل التراثية، المواقع أو المناطق ذات المقاييس المتفاوتة قد طورت أهميتها وشخصيتها المميزة من خلال علاقاتها الهادفة مع سياقاتها وبيئاتها المادية، البصرية، الروحية والثقافية الأخرى.
يبين هذا العرض الموجز أن المواثيق والإعلانات قد وسعت مجال تركيزها لتشمل الحفاظ على السياقات الحضرية التاريخية في بيئاتها بدراسة هويتها المميزة، أصالتها، شخصيتها وروحها. لقد زادت أعداد المواثيق الوطنية كثير في العقود الثلاثة الماضية، وأرست مبادئ وإرشادات للحفاظ وإدارة الأماكن ذات الأهمية الثقافية، ولتقييم الملكية الثقافية داخل سياقها الثقافي.
2- الطرق الملائمة لفهم وحفظ روح المكان
هناك طرق مختلفة تستخدم في تحليل الأشكال الحضرية، وتصنف كطرق للتحليلات الحضرية التشكيلية، تحليلات التصميم الحضري والمعماري، وتحليلات الحفاظ الحضري. وقد تطورت عبر الزمن منذ أن كانت أساليب تقليدية إلى أن أصبحت معاصرة مع التسارع الكبير في عجلة التكنولوجيا.
لاستخدام هذا البحث، نقترح طرق تحليل الحفاظ الحضري والتشكل النوعي، باعتبارها أكثر الطرق صلة بالموضوع الذي نبحثه. وفي هذا الصدد، سنستبعد الطرق الأخرى المنتشرة بين علماء الاجتماع، المصممين الحضريين، وفي الدراسات المعماري.
2-1 التشكل النوعي
على مر العصور ظلت دراسات التشكل النوعي تستخدم كأداة تصميم. وهي تتناول البنية المادية والفراغية للعمران وتنبثق من دراسات الفراغات النمطية بحسب نوعها " النوعية". إنها لا تأخذ في اعتبارها مجرد المقاييس العديدة للعمران، وإنما أيضا تميز الشكل الحضري بحسب ساكنيه. كما يقول مودون (1994: 290) "يقدم لنا التشكل النوعي تعبيرا صالحا للفراغات والمباني، ويعمل كقاعدة انطلاق قوية لدراسة طبيعة تصميم المباني، علاقته بالمدينة، وبالمجتمع الذي يحدث فيه".
على أية حال، بينما نجد أن نقطة التقاطع الرئيسية هي السياق التاريخي، فإن مفهوم التقسيم في السياق الحضري التاريخي يصبح موضوعا أساسيا في دراسات التشكل النوعي. كما يقول كروف (1998: 127) " التقسيم أداة للتحليل والتفسير. إنه يساعدنا على فهم البنية المادية والتطور التاريخي للمناطق الحضرية، وكذلك العلاقة بين المناطق الحضرية والمباني... تقدم البنية العامة وآلية التقسيم سياقا مثاليا لتطبيق المبادئ التشكلية النوعية... وخاصة، مدخل نوعي للتقسيم يتناول الشكوى القائلة بأن التقسيم يميل إلى منع الأشكال التاريخية أو التقليدية للمباني والنسيج الحضري".
يقدم المعماري الإيطالي سافيريو موراتي – ومن بعده جيانفرانكو كانيجيا وجيان لويجي مافي، وآخرون – عددا من الافتراضات الصالحة للأسلوب النوعي في التقسيم (مودون 1994) تعد المناطق فيها نقطة بدء الأشكال المحلية والإقليمية. في السياق الحضري التاريخي متعدد الثقافات – على وجه الخصوص – تتم الدراسات النوعية من خلال تقسيم المناطق. لهذا السبب، يجب النظر إلى المناطق باعتبارها أدوات لتحليل مختلف البيئات المبنية بتشكيل الجوانب الاجتماعية الثقافية المختلفة التي تملك روح المكان.
2-2 تحليلات الحفاظ الحضري
تدرس المنهجية المستخدمة – أثناء تحليل الحفاظ – الجوانب والمؤثرات المختلفة للمدينة نفسها. هذه المنهجية – المطبقة في كل مراحل تحليل الحفاظ الحضري- هي أهم أدوات تحديد وحفظ السياقات الحضرية التاريخية في معظم الدول. إنها تشمل التوثيق الدقيق والمنظم، تقييم وتحليل البيانات المرتبطة الجوانب الثقافية-الاجتماعية، الاقتصادية، الإدارية، التاريخية، والمادية للسياقات الحضرية على مختلف المستويات، وكذلك اتخاذ القرارات الصحيحة للحفاظ عليها.
في عدة دول، تطبق طرق – مماثلة لتلك المستخدمة في مشروعات الحفاظ الحضري – من خلال السياق الحضري التاريخي. في برنامج الترميم للدراسات العليا في METU، تمارس منهجية شاملة في مشروعات الحفاظ الحضري في استوديو تصميم الحفاظ الحضري (أنظر جدول 1).
تبدأ منهجية مشروع الحفاظ الحضري بمرحلة التوثيق، وتشمل مسح مبدئي ومسح أساسي. يشمل المسح المبدئي استعراض شامل للأبحاث، يتم من خلاله جمع كل الوثائق الجغرافية، التاريخية، الشفهية والمكتوبة المتعلقة بمختلف جوانب الموقع. ثم يتم إعداد خرائط الأساس بعدة مقاييس رسم وكذلك اوراق المسح الخاصة بالمباني والفئات الاجتماعية – وذلك لجمع البيانات أثناء العمل الميداني. وبالتالي، فإن الخرائط وأوراق البيانات تساعد في جمع المعلومات المطلوبة حول الخصائص العامة للموقع التي تعتبر أساسا للمراحل اللاحقة.
أثناء طور مسح الموقع بتم جمع كل البيانات المتعلقة بالموقع سواء إدارية، تاريخية، اقتصادية، اقتصادية ثقافية وكذلك الخصائص المادية للمبنى، الموقع، البيئة، ومكان الاستيطان. هذه الطريقة المنظمة تسمح للباحث بتوثيق مختلف أبعاد ومكونات السياق الحضري بما في ذلك المعلومات الخاصة بالمناطق المفتوحة والمبنية، الفراغات العامة المفتوحة، البنية التحتية والخدمات العامة، حركة المرور، العناصر الطبيعية، مجموعات المباني، الأنشطة، الفراغات الخاصة المفتوحة، عادات السكان، الأنشطة الاقتصادية، الأماكن التاريخية والسياحية، و/أو المزارات، فراغات المباني، العناصر المعمارية، المواد، طرق وأساليب الإنشاء، التدهور، التغيرات،  خصائص واتجاهات السكان بالنسبة للموقع، المباني التاريخية، وهكذا.
يتم تحليل البيانات التي جمعت أثناء المسح الأولي والمسح الأساسي وتقييمها في المراحل اللاحقة. في مرحلة التقييم، يتم تحديد الخصائص العامة للموقع – وكذلك قيم، مشاكل، وإمكانات المدينة- بناء على معايير موضوعية.
جدول 1: عمليات مشروع حفاظ حضري
(ريفايو لو، وأهن جوشان 2007: 1108)
الملامح الثقافية-الاجتماعية – الإدارية – التاريخية - المادية

مرحلة المسح الأولي والأساسي
مرحلة التحليل والتقييم
مرحلة اتخاذ القرار
مقياس المنطقة والمستوطنة
جمع كل الوثائق الجغرافية، التاريخية، الشفهية، والمكتوبة المتعلقة بالبنية القانونية والإدارية، المؤسسات العامة والخاصة الفاعلية، الخواص الديموجرافية، مرافق الإنتاج والتجارة، الحالة الجغرافية والمناخية للإقليم
تحليل الجوانب المادية، الوظيفية، الاجتماعية، الثقافية، التاريخية، الاقتصادية، والإدارية للإقليم
- تقييم الإقليم والمستوطنة من خلال الخواص والجوانب الرئيسة التي تحدد القيم، الإمكانات والمشاكل الخاصة بالمنطقة
اتخاذ القرار حول الجوانب الإدارية والقانونية القائمة للمنطقة لتحديد أدوار المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وإيجاد مصادر تمويل لمشروعات الحفاظ
المقياس البيئي
جمع البيانات في مجال دراسة الخصائص الطبيعية للبيئة، الطبوغرافيا، النقل، استخدام الأرض، المقار التاريخية، الآثار، المناطق، عادات السكان، الأنشطة الاقتصادية، الأماكن السياحية والتاريخية، و/أو نقاط الرؤية، أنشطة الحفاظ والتخطيط
- تحليل الجوانب البيئية التي تم جمعها أثناء مرحلة المسح.
- تحديد القيم البيئية كالنقاط البانورامية، الخواص الطبيعية والجغرافية
- تحديد الإمكانات البيئية كالطرق السريعة المحلية والدولية، الطرق، المواقع الطبيعية، التاريخية، والأثرية
اتخاذ القرار لنواحي الحفاظ وإعادة التأهيل البيئي
مقياس منطقة الدراسة
جمع وإعداد خرائط الأساس، دراسة الوصول للموقع، الفراغات المفتوحة والمبنية، المناطق العامة المفتوحة، البنية التحتية والخدمات العامة، حركة المرور، العناصر الطبيعية، المناطق الخاصة المفتوحة، علامات الأرض، النقاط البانورامية، العقد، مجموعات المباني المحفوظة، الأنشطة الثقافية الاجتماعية.
- مشاكل الجوانب المادية، الاجتماعية، الاقتصادية، والإدارية للموقع.
- القيم المادية، الاجتماعية، والوظيفية كعلامات الأرض، الآثار، الشوارع القديمة، أماكن ومباني الذاكرة الجماعية، القد، الإمكانات البيئية كأماكن التجمع الاجتماعي، قطع الأرض أو المناطق الخالية
- اتخاذ القرار حول الجوانب المادية، الاجتماعية، الاقتصادية، والإدارية للموقع.
- اتخاذ القرار حول القيم والمشاكل المادية، الاجتماعية، والوظيفية للموقع
مقياس المبنى
إعداد أوراق المسح الخارجية والداخلية والاجتماعية.
جمع البيانات في مجالات مثل: قطعة الأرض المقام عليها المبنى، الواجهة، فراغات المبنى، العناصر المعمارية، المواد، طرق الإنشاء والبناءـ التدهور، التغيرات، خصائص واتجاهات السكان نحو الموقع والمباني التاريخية
- مشاكل الارتباطات المادية والاجتماعية – الاقتصادية المتعلقة باستخدام المباني والمنبثقة عن الجوانب الاقتصادية والإدارية.
- إمكانيات المباني
- قيم المبنى
- القيم الوظيفية والاجتماعية كالمباني بوظائفها وارتباطها بهوية المدينة
- اتخاذ القرار حول أنواع ودرجاات التدخل
- قراررات خاصة للحفاظ، تأهيل، وإعادة توظيف مجموعات المباني
- قرارات حول الجوانب الإدارية، المالية، والقانونية للترميم، التدخل، إعادة تأهيل المباني.
- قرارات حول القيم الاجتماعية
3- منهجية متكاملة لتعريف والحفاظ على روح المكان
كما ذكرنا من قبل، فإن روح المكان تعتمد على خصائص الموقع والعلاقة المنطقية بين السكان والمكان، ويبدأ كل هذا من نشاط الاستيطان. حيث أن نشاط الاستيطان هو ضرورة أساسية لخلق مكان يرتبط بالخواص الطبيعية للموقع، فإن المنطق ورائه هام في تحليل النسيج الحضري التاريخي الحالي وتعريف الروح. من الهام أن نتذكر دائما أن أنشطة الاستيطان تختلف من إقليم لآخر، كما يمكن أن نرى في المستوطنات الأصلية في الأناضول التي تتميز بهياكل مادية واجتماعية تميز المستوطنات الشبكية والمختلطة. يختلف منطق مستوطنات العصور الوسطى عن مستوطنات الأناضول التركية، التي تختلف بدورها من منطقة لأخرى.
وبالتالي فإن حدود المستوطنات التي صنعها الإنسان – كالمحيط، خطوط قطع الأراضي، المناطق، والأقاليم- مقبولة كأصول للعلاقات المنطقية بين السكان والموقع في عملية تعريف المكان. يقول هابراكين (1998) أن الضرورة الأساسية للنشاط الاستيطاني البشري هي تعريف المناطق وتقسيم الموقع بخطوط حدودية. أيضا، يقول بيل هيليير (1996) أن المحيط الناتج عن الخطوط الحدودية يعد أيضا فاصلا اجتماعيا لا يفصل المكان ماديا فحسب، وإنما يصنع مناطق مختلفة ذات فوائد خاصة.
ومع ذلك، فإن تحول قطعة أرض خاوية إلى منطقة مبنية يتطلب تنظيما فراغيا ووجودا ماديا للمباني. لا تقام المباني فقط من الخواص الطبيعية للمكان، لكن أيضا من حدوده والخواص المادية للمجاورة (ديفرين 2001). نتيجة لذلك يمكن تعريف " الروح" في السياق التاريخي الحضري كعلاقة بين الموقع والمحيطات-قطع الأراضي.
عموما، فإن المنهجية المتكاملة لفهم والحفاظ على روح المكان في سياقه الحضري التاريخي – المقترحة في هذا البحث- تنبثق أساسا من فهم " روح النشاط الاستيطاني" و" روح المكان" باستخدام التحليل التشكلي النوعي وتحليلات الحفاظ الحضري، وباستغلال الأدوات التكنولوجية الحديثة خاصة GIS والمصادر الأساسية المرئية والمكتوبة.
في الأساس تعني " روح النشاط الاستيطاني" فهم الخصائص الطبيعية والعامة للموقع، وما يحيط به في الأصل، أراضي وقطع الموقع، وكذلك أنماط الملكية. نمط الملكية من أهم الجوانب حيث أن السكان يصممون السياق الحضري من خلال تعريفهم لقطع الأرض المحيطة بهم بمقتضى حقوق الملكية. بل، إن " روح المكان" تشير إلى فهم العلاقات المادية، الاجتماعية، الاقتصادية، والروحية بين العوامل الثلاثة الثابتة المقترحة في هذه المنهجية وهي : المحيطات-قطع الأراضي والملكية، المكان والسكان.
من أجل فهم وضعية قطع الأراضي-المحيطات ونمط الملكية، نقترح الطريقة المتكاملة باستخدام المصادر الأساسية المكتوبة والمرئية؛ والتي تكون في هذه الحالة " الخرائط المساحية التاريخية" و" سجلات صكوك الملكية". تساعد الخرائط المساحية على توضيح أنماط قطعة الأرض-المحيطات، بينما توفر سجلات الصكوك معلومات مفيدة عن أنماط قطع الأرض-المحيطات الأصلية، والشكل ألأصلي للملكية العقارية؛ نمط الملكية؛ الهوية العرقية/الدينية للملاك القانونيين و- إن أمكن – السكان؛ الدمج والتقسيم في قطع الأراضي عبر التاريخ؛ المزايا والمسئوليات بين قطع الأراضي والجيران؛ الحدود الأصلية للأحياء، وهكذا. لذلك، فإن البيانات – التي تجمع أثناء الأبحاث المنظمة الموضوعية للنسيج الحضري التاريخي باستخدام الخرائط المساحية وسجلات الملكية، وثم تنقل إلى وتصحح باستخدام برامج GIS- يمكن أن تفيد في فهم العلاقات الروحية، المادية، والاقتصادية-الوظيفية في تشكيل رابطة منطقة بين السياق الحضري، المكان، وساكنيه؛ وهي الجوهر الكامن وراء روح المكان. في هذا الصدد، إن الارتباط بين فئات المباني ومساحة قطع الأراضي تعطينا العلاقات المادية في سياق حضري؛ بينما يساعد الارتباط بين الملكية، وفئة المبنى، وتوزيعه على كشف العلاقات الروحية في السياق الحضري.
قام الباحث بإجراء تحليل الخرائط المساحية وسجلات صكوك الملكية في أطروحة الدكتوراه عن السياق الحضري التاريخي في أنطاكية. قدم البحث بيانات أصلية حول إنشاء رابطة منطقية بين السياق الحضري، المكان وساكنيه. الرابطة بين الملكية وخاصية الملكية العقارية، كشفت عن نوع مختلف من المباني التي لا يمكن تعريفها داخل النسيج الحالي، تحديدا المباني السكنية – الدينية. إذا كان مالك المسكن مؤسسة دينية وكانت سجلات صكوك الملكية العقارية تقول بوضوح أن المسكن كان يستخدم لأغراض دينية عبر تاريخه وكانت روح الاستخدام لا يمكن تحديدها بملاحظة وتحليل الوضع الحالي لذلك المسكن.
بالإضافة، فإن العلاقة بين فئات المباني ومساحات قطع الأراضي تبين أنه قد يمكن أن يكون هناك اختلاف في أحجام المباني السكنية. مثلا، كانت هناك عدة مساكن صغيرة (حوالي 10-15 متر مربع) تملكها عدة مؤسسات ومواطنين أتقياء الطابع. مواضع هذه المساكن داخل النسيج الحضري تعطينا أدلة قوية عن التفاعلات الاجتماعية والروحية بين ملاك ومستخدمي المساكن. إن الارتباط بين هذين الأمرين المختلفين يبين أنه عندما يتجمع عدد من المساكن حول المنطقة التجارية في السياق الحضري التاريخي أو مبنى تجاري فإن هذا قد يشير إلى استخدامها بواسطة فئة واحدة. بالطبع يمكن توسيع تلك الأمثلة التي تهدف إلى فهم العلاقات بين الجوانب المادية والاجتماعية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفوائد الصحية للحدائق في المستشفيات

طاقة الرياح في المباني العالية (2)