الفوائد الصحية للحدائق في المستشفيات

الفوائد الصحية للحدائق في المستشفيات
روجر س. أولريتش
مركز تصميم ونظم الصحة
كلية العمارة والطب – جامعة تكساس إيه & إم
مقدمة
اختارت هذه الورقة البحثية استعراض الأبحاث العملية حول أثر الحدائق والنباتات في المستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية الأخرى. تتركز المناقشة حول الفوائد الصحية التي يحققها المرضى بمجرد النظر إلى الحدائق والنباتات، أو بطرق أخرى بالتعايش السلبي مع الأشياء المحيطة في مؤسسة الرعاية الصحية حيث تسود النباتات. أيضا يتناول العرض بإيجاز المزايا الأخرى للحدائق والنباتات في المستشفيات، كتخفيض تكلفة تقديم الرعاية الصحية وتحسين مستوى رضا العاملين. ربما نسأل في البداية: لماذا يستحق الأمر أن نركز حصريا على الحدائق الواقعة في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى؟ أحد الأسباب الهامة يرتبط بحقيقة إنفاق مبالغ طائلة دوليا على إنشاء بيئات الرعاية الصحية. هذا التمويل للمستشفيات قد يمثل مصدرا رئيسيا لموارد الحدائق، النباتات والملامح الأخرى وثيقة الصلة كالأبهاء. لنأخذ مثلا أحد المجمعات الطبية الكبيرة بالولايات المتحدة، مركز تكساس الطبي في هوستن. هذا المركز يخطط لإنفاق 1.8 مليار دولار على المنشآت الجديدة في العامين المقبلين. في ولاية كاليفورنيا وحدها، سيرتفع الإنفاق على مباني المستشفيات إلى 14 مليار دولار بحلول 2010. حتى المباني المنفردة قد تكون مكلفة للغاية—افتتحت جامعة نورث ويسترن مؤخرا مستشفاها الرئيس في شيكاجو بتكلفة 687 مليون دولار. وبذلك نجد أن متوسط الإنفاق على المستشفيات الجديدة في الولايات المتحدة قد بلغ 15 بليون دولار في العقد الماضي. تخطط المملكة المتحدة لإنفاق 4 مليار دولار على الأقل لإنشاء مستشفيات جديدة خلال الثلاثة أعوام القادمة. عندما يدخل في الأمر الإنفاق الإضافي على مؤسسات الرعاية الصحية الأخرى – مثلا، بيوت التمريض، عيادات الرعاية الأساسية، مرافق إعادة التأهيل- يتضح لنا أكثر أن تصميم وإنشاء الرعاية الصحية مسئول مباشرة عن مبالغ طائلة من المال. تتضمن هذه الحقيقة فرصا أكبر لتمويل وإنشاء حدائق جديدة من أجل إثراء وتحسين حياة المرضى والبيئات في مئات – إن لم يكن آلاف – من المرافق الطبية القائمة.
خلفية: الحدائق وتصميم المستشفيات
منذ آلاف السنين آمن الناس بفوائد الحدائق للمرضى في كل مؤسسات الرعاية الصحية، ويبدو هذا واضحا في الثقافات الآسيوية والغربية (أولريتش وبارسونز 1992). في أوربا العصور الوسطى، أنشأت الأديرة حدائق أنيقة لتبعث السرور والهدوء في نفوس المرضى (جيرلاك –سبريجز، 1998). في القرن التاسع عاشر كان شائعا وجود الحدائق والنباتات في المستشفيات الأمريكية والأوربية (نايتنجيل، 1860). أصبحت الحدائق أقل أهمية في المستشفيات في أوائل القرن العشرين، ولكن مع تقدم العلوم الطبية ركز المعماريون ومدراء المستشفيات على إيجاد مباني رعاية صحية تقلل خطر العدوى وتعمل كوسائط فعالة وظيفيا للتقنية الطبية الجديدة. التركيز الكبير على تقليل العدوى – مع إعطاء الأولوية للكفاءة الوظيفية- شكل تصميم مئات من المستشفيات الكبرى عالميا، والتي تعد الآن مؤسسات كئيبة وغير ملائمة للاحتياجات العاطفية للمرضى، أسرهم، وحتى لطاقم الرعاية الصحية (أولريتش، 1991؛ هرسبرج، 1995). رغم شدة التوتر الذي يسببه المرض، الألم، وتجارب المستشفيات الصادمة؛ فقد كان الاهتمام قليلا بخلق بيئات تهد المرضى أو تعالج احتياجاتهم العاطفية (أولريتش، 2001).
زاد الوعي في الآونة الأخيرة لدى مجتمع الرعاية الصحية بالحاجة إلى خلق بيئات نظيفة وفعالة وظيفيا وفي نفس الوقت مبهجة وتساعد على تقليل التوتر. القوة الدافعة لهذا الوعي كانت التقدم الكبير في العلوم الطبية للجسد والروح معا. قدر كبير من الأبحاث يوضح أن التوتر والعوامل النفسية-الاجتماعية يمكن أن تؤثر بقوة على النتائج الصحية للمريض. هذه المعرفة تعني ضمنا أن الحاجات النفسية أو العاطفية للمرضى يجب تكون لها الأولوية بجانب الاهتمامات التقليدية -كتقليل العدوى والكفاءة الوظيفية- عند وضع أولويات تصميم المستشفيات (أولريتش، 2001). وبالتالي أيضا فإن الظروف أو التجارب التي قال باحثو الطب أنها تقلل التوتر وتفيد الصحة – كالأشياء المبهجة والمهدئة والدعم الاجتماعي – يجب أن تصبح اعتبارات هامة عند إنشاء مرافق الرعاية الصحية الجديدة. إن حقيقة وجود أدلة محدودة آخذة في التنامي – بأن رؤية الحدائق تقلل التوتر كثيرا وتحسن النتائج الصحية للمريض- قد أصبحت عاملا هاما في موجة الاهتمام الجديدة بوضع الحدائق في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى.
أهمية دليل النتائج الصحية
يقع مدراء الرعاية الصحية في كل مكان تحت ضغط تقليل أو التحكم في التكلفة مع زيادة جودة الرعاية. مع الاضطرار لدفع تكاليف لا مفر منها كالتقنيات الطبية الجديدة، يضطر المدراء لاعتبار الحدائق مرغوبة ولكن غير أساسية. إقناع المجتمع الطبي بإعطاء أولوية وموارد يتطلب أدلة دامغة على أن الحدائق أو النباتات تقدم فوائد وتكلف أقل مقارنة بالبدائل، التي لا تشمل الحدائق/ النباتات.
ينبغي أن نؤكد هنا على أن معظم مدراء الرعاية الصحية وخاصة الأطباء يرون أن الأدلة المقدمة في أبحاث مخرجات الرعاية الصحية تعطي الأساس السليم والمقنع لتقييم الفائدة الطبية و المالية لعلاج أو خدمة طبية معينة (أولريتش 1999، 2002). المخرجات الصحية متعددة ومتباينة، لكن معظمها يشير إلى قياسات الحالة الطبية للمريض أو مؤشرات لجودة الرعاية الصحية. هذه المقاييس تشمل (1) قياسات طبية أو علامات ملحوظة، (2) مقاييس موضوعية مثل إبداء الرضا، و(3) المقاييس الاقتصادية (أولريتش، 2002).
·   المؤشرات الطبية التي تعد علامات ملحوظة وأعراض مرتبطة بحالة المريض. (مثال: طول مدة الإقامة، ضغط الدم، تناول أدوية الألم).
·   إبداء الرضا من جانب المريض/الطاقم (مثال: إبداء المريض رضاه عن الخدمة، إبداء الطاقم رضاهم عن ظروف العمل)
·       النتائج الاقتصادية (مثال: تكلفة رعاية المريض، تكاليف التوظيف بسبب استقالة الطاقم).
آثار تقليل التوتر جراء رؤية الطبيعة والنباتات
بينت عدة دراسات لمجموعات من الأصحاء (كطلاب الجامعة) وكذلك المرضى أن مجرد النظر إلى بيئات بها خضرة، أزهار، أو ماء – مقارنة بالبيئة المبنية الخالية من الطبيعة (غرف ، مباني، قرى) – يعد أكثر فاعلية بكثير في تسريع الشفاء أو التعافي من التوتر (أنظر أولريتش، 1999 – مسح للدراسات السابقة). هناك عدد محدود من الأبحاث التي تفيد أن رؤية النباتات أو الطبيعة لعدة دقائق يمكن أن تعزز التعافي حتى لدى مرضى المستشفيات المصابين بالتوتر الحاد.
هناك أدلة هامة على أن أثر المناظر الطبيعية في التعافي يتضح خلال 3 إلى 5 دقائق كمزيج من التغييرات النفسية/العاطفية والبدنية. بالنسبة للأولى – النفسية /العاطفية – فإن العديد من مناظر النباتات أو الحدائق ترفع مستوى الشعور الإيجابي (السرور، الهدوء)، وتقلل العواطف السلبية كالخوف، الغضب،  والحزن. هناك مناظر طبيعية معينة تشد الانتباه، وبالتالي تعمل كوسيلة تشتيت مبهجة يمكنها تقليل الأفكار المسببة للتوتر. بالنسبة للآثار البدنية للتعافي من التوتر، فقد أوضحت الأبحاث المعملية والسريرية أن رؤية المناظر الطبيعية تسبب تعافي كبير في أقل من 5 دقائق، ويتضح هذا التعافي في تغييرات إيجابية – مثلا، في ضغط الدم، نشاط القلب، الشد العضلي، والنشاط الكهربي للمخ.
في تجربة محكومة قاست بطارية الاستجابات البدنية في 120 شخصا متوترا (غير مرضى) تم توزيعهم عشوائيا على فترات تعافي تتكون من ست شرائط فيديو لمناظر طبيعية (نباتات أو نبات مع ماء) أو بيئات مبنية بدون طبيعة (أولريتش وآخرون، 1999). نتائج القياسات البدنية (ضغط الدم، نبض القلب، توصيلية البشرة، الشد العضلي) كانت متسقة في إيضاح أن الشفاء من التوتر كان أسرع وأكثر اكتمالا بكثير عندما تعرض الأفراد لبيئات طبيعية وليس لبيئات مبنية. سرعة التعافي الذي تحدثه الطبيعة ظهر كتغييرات إيجابية في كل القياسات البدنية في خلال 3 دقائق. شكل البيانات البدنية دعم أكثر التفسير القائل بأن الطبيعة – مقارنة بالبيئات المبنية – تقلل النشاط في الجهاز العصبي السمبتاوي. (ارتفاع نشاط الجهاز العصبي السمبتاوي يتضمن ارتفاع استهلاك الطاقة أو النهوض وهو مركزي في استجابات التوتر.) بل، إن البيانات الذاتية للمشاعر أوضحت أن البيئات الطبيعية أدت إلى المزيد من التعافي في المكون البدني للتوتر. الأشخاص المعرضون لبيئات بها نباتات ومناظر طبيعية أخرى – بعكس البيئات المبنية – قلت لديهم مستويات الخوف والغضب، وأبدوا مستويات أعلى بكثير من المشاعر الإيجابية (أولريتش وآخرون، 1991).
أيضا استخدم هارتج (1991) كلا من المقاييس النفسية والبدنية لدراسة التعافي في الأصحاء المتوترين إما لأنهم قادوا سيارة في منطقة مرور عمراني أو أتموا سلسلة من الاختبارات الصعبة. نتائجه كانت مشابهة كثيرا للموصوفة سابقا – تحديدا، ضغط الدم، والتقارير الذاتية العاطفية تقاربت لتوضح أن التعافي كان أكبر بكثير عندما ينظر المرء إلى بيئة طبيعية مليئة بالنباتات وليس إلى بيئة مبنية بدون طبيعة.
ناكامورا وفوجي  أجريا دراستين في اليابان (1990، 1992) لقياس نشاط موجات المخ عندما ينظر أشخاص غير متوترين (غير مرضى) إما إلى نباتات أو أشياء من صنع البشر. في تجربة أولى حلل الباحثان نشاط إيقاع ألفا عندما رأى الأفراد: نوعين من النباتات داخل أصص – بأزهار وبدون (بيلارجونيوم، وبيجونيا)- ثم نفس الأصص بدون نباتات، أو أسطوانة مشابهة  للأصص (ناكامورا وفوجي، 1990). تفيد النتائج أن الأفراد كانوا في أفضل حالة وعي واسترخاء عند رؤية نباتات بأزهار، وفي أقل حالات الاسترخاء عندما نظروا إلى الأصص دون نباتات. في الدراسة قاما بتسجيل التخطيط الكهربي للدماغ (EEG) بينما كان الأفراد جالسين في الهواء الطلق وينظرون إلى سور من النباتات، سور خرسانة بأبعاد مماثلة، أو مزيج من الخضرة والخرسانة (ناكامورا وفوجي، 1992). بيانات تخطيط الدماغ تدعم القول بأن الخضرة سببت استرخاء بينما سببت الخرسانة التوتر.
فوائد الطبيعة والحدائق في بيئات الرعاية الصحية
الأمثلة البحثية المذكورة سابقا – كلها على مجموعات من الأصحاء – تشير إلى أن رؤية النباتات والطبيعة لعدة دقائق يمكن أن يساعد على التعافي أو الشفاء من التوتر.
من الهام التأكيد على أنه تم الحصول على نتائج مماثلة عندما  تعرض مرضى التوتر في بيئات الرعاية الصحية إلى الطبيعة، بصريا. في دراسة أجراها هيرواجن وأوريانز، وجد أن مرضى القلق في عيادة الأسنان كانوا أقل توترا في العيادة عندما كانوا ينظرون إلى جدارية كبيرة لمنظر طبيعي في غرفة الانتظار، بعكس الأيام التي كان الحائط فيها فارغا (هيرواجن، 1990). فوائد التعافي للمناظر الطبيعية كانتثابتة في كل من بيانات معدل القلب والتقارير الذاتية عن الحالة العاطفية.
في حالة المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى، هناك دليل دامغ على أن وظيفة الحدائق فعالة ومفيدة فيما يتعلق بزيادة التعافي لمرضى التوتر، أفراد الأسرة، والطاقم (أولريتش، 1999). استخدم كوبر-ماركوس وبارنز (1995) مزيجا من الرصد السلوكي والمقابلات لتقييم أربع حدائق مستشفيات في كاليفورنيا. وجدوا أن التعافي من التوتر – بما في ذلك تحسن الحالة المزاجية – كان أهم الفوائد التي حصل عليها كل مستخدمي الحدائق – المرضى، الأسرة، والموظفين.
بالمثل فقد حددت دراسة حديثة للحدائق – في مستشفى أطفال – حدوث التحسن المزاجي والتعافي من التوتر كأهم الفوائد لكل المستخدمين (وايت هاوس وآخرون، 2001). هذه النتيجة تدعمها النتائج المتقاربة من الرصد السلوكي، المقابلات، والمسح الميداني. حقيقة كون التوتر منتشر، موثق جيدا، ومشكلة هامة الصلة بالصحة في المستشفيات، تحمل ضمنا أهمية كبرى للاكتشاف بأن التعافي هو أهم الفوائد التي تدفع الأشخاص لاستخدام الحدائق في مرافق الرعاية الصحية (أولريتش، 1999).
حدائق المستشفيات جيدة التصميم لا تعطي مجرد هدوء ومناظر طبيعية مبهجة، بل يمكنها تقليل التوتر وتحسين النتائج السريرية من خلال آليات أخرى، مثلا، زيادة الحصول على الدعم الاجتماعي والخصوصية، وتوفير الفرص للهروب من جو العيادات المسبب للتوتر (أولريتش، 1999؛ كوبر-ماركوس وبارنز، 1995). فيما يخص الأخيرة – الهروب – وجد كوبر-ماركوس وبارنز أن العديد من موظفي الرعاية الصحية استخدموا الحدائق كوسيلة فعالة لتحقيق هروب مبهج من توتر العمل والظروف القاسية بالمستشفى. أيضا ضمنوا تقريرهم إفادات للعديد من المرضى الذين قالوا أن الحدائق تدعم التعافي، في جزء بتوفير مهرب إيجابي (وشعور بالسيطرة) بالنسبة للتوتر. مثلا، علق مريض في مقابلة بحديقة مستشفى :" إنه مهرب جيد مما يجعلونني أمر به. إنني آتي هنا بين المواعيد. أشهر بأني أهدأ، وأقل توترا" (كوبر-ماركوس وبارنز، 1995، ص 27).
بالإضافة إلى تحسين التوتر والحالة المزاجية، فإن الحدائق والطبيعة في المستشفيات يمكنها رفع الرضا عن مقدم الرعاية الصحية والجودة العامة للرعاية. هناك أدلة من دراسات لعدد من المستشفيات المختلفة وفئات المرضى (الكبار، الأطفال، والعجائز، الإسعاف، أو الخارجيين، أجنحة رعاية الأمراض الشديدة للمرضى المقيمين) تؤكد بقوة أن وجود الطبيعة – الحدائق الداخلية والخارجية، النباتات، مناظر طبيعية من النوافذ- تزيد رضا المريض والأسرة (كوبر-ماركوس وبارنز، 1995؛ وايت هاوس وآخرون، 2001؛ معهد بيكر ومركز التصميم الصحي، 1999).
قدرة الحدائق والنباتات على رفع مستوى الرضا – وتقليل التوتر – تجذب الكثير من انتباه مدراء المستشفيات الذين –كما لاحظنا سابقا- يواجهون ضغوطا قوية لزيادة التركيز على المرضى/العملاء وتحسين تجربة الرعاية الصحية للعملاء. قيم أحد مدراء المستشفيات الكبرى في الولايات المتحدة دور الحدائق في سوق الرعاية الشديد التنافس وصادق على فاعليتها في زيادة جودة الرعاية ورضا العميل/المريض (سادلر، 2001). ودافع المدير عن إنشاء الحدائق كوسيلة فعالة لمساعدة المستشفيات ومقدمي الرعاية لتحقيق هوية سوقية إيجابية وبالتالي تحسين المخرجات الاقتصادية أو المالية.
فوائد حدائق الرعاية الصحية للطاقم الطبي
مشاكل طاقم الرعاية الصحية تعد مسألة مهمة في معظم الدول الأوربية وأمريكا الشمالية. تعرف وظائف الرعاية الصحية منذ عقود بأنها مهنة مسببة للتوتر لأنها تشمل حمل زائد بسبب متطلبات العمل، نقص السيطرة أو السلطة في اتخاذ القرارـ والتوتر بسبب دوران النوبتجيات (أولريتش، 1991). تراكبت أحمال العمل والضغوط أمثر مع اضطرار مقدمي الرعاية في كل مكان إلى تقليل النفقات (أولريتش، 2002). قللت هذه الظروف في العديد من المواقع من الرضا الوظيفي، زادت معدلات الغياب والاستقالة، ساهمت في نقص العمالة المؤهلة، زادت تكاليف التشغيل على مقدمي الرعاية، وقللت من جودة الرعاية التي يتلقاها المرضى (أولريتش، 2002).
مشاكل الطاقم الخطيرة هذه تعطي أهمية للنتائج السابق ذكرها بأن يستخدم أفراد الطاقم الحدائق بصورة مكثفة للهروب من ضغوط العمل والتعافي من التوتر. بالإضافة، يجب التأكيد على أن الأدلة بدأت بالظهور موضحة أن حدائق المستشفيات تزيد رضا الطاقم عن مكان العمل وقد تساعد إداريي المستشفيات على توظيف أشخاص مؤهلين (وايت هاوس وآخرون، 2001؛ سادلر، 2001؛ كوبر-ماركوس وبارنز، 1995، 1999).
أثر الطبيعة على المخرجات الإكلينيكية
تفيد نتائج بعض الدراسات – التي تركز على المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى- أن رؤية الطبيعة لها فوائد هامة من حيث تحسين المخرجات الإكلينيكية للمرضى. في مستشفى جامعة أوبسالا بالسويد، قام أوتي لوندن، جون إلتنج وأنا (1993) ببحث حول إمكانية تحسين مخرجات التعافي لمرضى جراحات القلب بتعريضهم لمناظر طبيعية محاكاة. وزعنا 160 مريضا على ست حالات محاكاة للرؤية: صورتين طبيعيتين (شجر وماء، أو منظر لغابة)؛ صورتين مجردتين؛ وحالتي تحكم (لوحة بيضاء، أو بدون لوحة أو صورة). أفادت النتائج أن من رأوا منظر الشجر/الماء كانوا أقل قلقا في فترة ما بعد الجراحة مقارنة بمن وزعت لهم صور أخرى أو حالات التحكم. بل، كانت معانات من رأوا الأشجار/الماء أقل من الألم، كما تثبت حقيقة تحولهم السريع من مسكنات الألم القوية إلى المهدئات متوسطة القوة.
على النقيض/ جاءت نتيجة مذهلة بأن الصورة المجردة بأشكال مستقيمة سببت قلقا أعلى للمرضى عن ظروف التحكم التي بدون صورة على الإطلاق.
قارنت دراسة أخرى للمخرجات الطبية سجلات التعافي لمرضى جراحة المرارة الذين كانت لديهم نافذة بجوار السرير بمنظر لأشجار أو مبنى من الطوب بدون منظر طبيعي (أولريتش، 1984). لتثبيت العوامل الأخرى التي قد تؤثر على النتائج، كانت مجموعة الشجر والحوائط متساوية، على سبيل المثال في السن، الوزن، التدخين، والتاريخ الطبي العام. أظهرت النتائج أن مجموعة المنظر الطبيعي – مقارنة بمن كانوا ينظرون إلى حائط- أقاموا فترة أقل بالمستشفى وعانوا مضاعفات أقل بعد الجراحة (كالصداع المستمر أو الغثيان) (أولريتش، 1984). بل، كانوا يتلقون تعليقات إيجابية مكتوبة من الطاقم بخصوص حالتهم (" المريض في حالة معنوية عالية"). أما مجموعة الحوائط فقد كان تقييمها سلبيا للغاية في التعليقات ("المريض مضطرب، يحتاج إلى تشجيع"). هناك فارق آخر كبير، أن مجموعة الأشجار – مقارنة بمجموعة الحوائط – احتاجت لجرعات أقل بكثير من مسكنات الألم القوية.
تبين النتائج السابقة أن رؤية الطبيعة في المستشفيات لا يعزز المخرجات الطبية فقط، بل ويمكنها تحسين النتائج الاقتصادية بتقليل تكلفة الرعاية. إنها تعني ضمنا أن رؤية الطبيعة  تقلل التكلفة – مثلا، عن طريق تقليل الحاجة لمسكنات الألم القوية المكلفة.
خصائص الحدائق الفعالة في التعافي
بحثت القليل من الدراسات كيف تؤثر مختلف أساليب التصميم والخصائص البيئية على أداء حدائق المستشفيات بالنسبة لدعم التعافي من التوتر أو تحسين المخرجات الطبية. لم تقم تجربة محكومة جيدا – مثلا- ببحث ما إذا كان تصميم أحواض الزهور بخطوط منحنية بدلا من المستقيمة أو الحواف الحادة يؤثر على فاعلية الحديقة في إحداث التعافي من التوتر. إلا أن الدراسات المذكورة بالجزء السابق قد قدمت بعض النتائج والإرشادات العامة بخصوص تعليمات التصميم لإنشاء حدائق ناجحة للرعاية الصحية.
قلة الأدلة حتى الآن تفيد أن الحدائق قد تهدئ أو تحسن التوتر بفاعلية إذا احتوت على أوراق نباتات خضراء، أزهار، ماء (هادئ)، أصوات طبيعة متناغمة أو متشابهة (طيور، نسيم، ماء)، والحياة البرية (الطيور) (أولريتش،  1990، ص 74-75). بالإضافة، فإن البيئات الطبيعية - التي تحمل خصائص السافانا أو أراضي النزهة (فراغات عشبية وأشجار متناثرة) – تزيد من التعافي. في دراسة أجراها كوبر-ماركوس وبارنز (1995، ص 55) لمستخدمي حدائق أربع مستشفيات؛ وجدوا أن أهم خصائص الحدائق الإيجابية كانت عناصر الطبيعة البصرية، خاصة الأشجار، الخضرة، الأزهار، والماء. ربط أفراد العينة هذه الملامح الطبيعية بقوة بأثر التعافي على حالتهم المزاجية.
على النقيض، فإن الخاصية التي تجعل فاعلية الحدائق أسوأ في تقليل التوتر هي انتشار المناظر الصناعية (الخرسانة، مثلا) أو المحتويات المبنية (أولريتش، 1999). وجدت وايت هاوس ومساعدوها (2001) أن مستخدمي حديقة مستشفى الأطفال كرهوا وتجنبوا المناطق التي بها نسبة أرض خرسانية مرتفعة و/أو الكثير من المباني. أوصى من تمت مقابلتهم في هذه الدراسة بأن تحمل الحدائق" المزيد من الخضرة والأشجار" والقليل من الخرسانة (وايت هاوس، وآخرون، 2001).
بالإضافة إلى انتشار المباني بدلا من النباتات، فإن الخصائص الأخرى التي تجعل التعافي أبطأ أو تعمق التوتر تشمل: التدخين، أصوات الماكينات الغير متسقة (المرور، مثلا)؛ الازدحام؛ عدم الأمان أو المخاطر الواضحة؛ وضوح القمامة؛ والنحت الغامض المجرد أو الملامح ألأخرى المبنية التي يمكن تفسيرها بعدة طرق (أولريتش، 1999). بخصوص التجريد والغموض، هناك أدلة دامغة على أن مصممي حدائق المستشفيات ينبغي عليهم توخي الحيطة قبل وضع أعمال الفن التجريدي أو ملامح التصميم الغامضة. يبدو أن مرضى التوتر الحاد قد يكونون عرضة لردود أفعال مسببة للتوتر وليست إيجابية عند رؤية الفن أو التصميمات الغامضة (اولريتش، 1991). الأدلة الحالية توحي أن أسلم وأكثر استراتيجية عامة فعالة لمصممي حدائق المستشفيات هي عرض الخصائص الإيجابية الغير غامضة للخضرة، الأزهار ومحتويات الطبيعة الأخرى (أولريتش، 1999).
من الأمثلة الموثقة لردود أفعال المرضى نحو الملامح الغامضة ما حدث عندما قام مستشفى كبير بوضع مجموعة ضخمة من أعمال النحت والفن لتكوين "حديقة طيور" في سطح تطل عليه غرف مرضى السرطان من كل جانب (أولريتش، 1999). رغم تسميته بالحديقة، فإن الفراغ لم يحوي فعليا أية خضرة، أزهار، أو أشياء طبيعية أخرى. بعد تركيب الحديقة النحتية هذه بقليل، بدأ المدراء والأطباء تلقي عدة تقارير شفهية عن ردود الأفعال السلبية للمرضى. وبالتالي، تم إجراء استبيان عن ردود أفعال المرضى للأعمال الفنية (هيفرمان وآخرون، 1995). بينت الدراسة أن أكثر من 20% من مرضى السرطان شعروا برد فعل عاطفي أو نفسي تجاه "الحديقة". كانت هناك ردود سلبية عنيفة لبعض المرضى، في تفسير نحت الطيور ذي الخطوط المستقيمة بأنه حيوان مخيف من حقبة ما قبل التاريخ (أولريتش، 1999). قررت المستشفى والطاقم الطبي أن معدل ردود الأفعال السلبية كان مرتفعا للغاية، وبالتالي أزيلت الأعمال الفنية لأسباب طبية (أولريتش، 1999).

تعليقات

  1. سلام عليكم المقال بديع لكن المصادر غير مذكرة

    ردحذف
    الردود
    1. Health Benefits of Gardens in Hospitals
      Roger S. Ulrich, Ph.D.
      Center for Health Systems and Design
      Colleges of Architecture and Medicine
      Texas A & M University

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فهم روح المكان والمحافظة عليها

طاقة الرياح في المباني العالية (2)